فيلم City Lights: مرثية الحب والورد والدموع!

عارف فكري


نعم يا صديقي، يمكنك أن تثقل وتطور من كتاباتك الإبداعية من خلال مشاهدة الأفلام أيضًا، وليست الكتب أو الكورسات فقط. فالفيلم – كما تعلم- ولد في الأصل نصاً مكتوباً ثم تجسد على الشاشة التي قد تضيف إليه قيم جميلة، وفي نفس الوقت قد تنتزع منه قيم أجمل، وهذا يحدث في أغلب الأحيان.

فيلم City Lights_ مرثية الحب والورد والدموع! (2)
فيلم City Lights_ مرثية الحب والورد والدموع! (2)

ميزة الأفلام والمسلسلات أنها تغرس فيك المعلومة بشكل غير واعٍ، بحيث تترسخ في ذهنك، وهو البناء البطيء بحق، الذي يؤثر في الوجدان، قبل أن يصعد إلى العقل، ويتفاعل هناك، ويمارس دوره على أفضل ما يكون.

فيلم اليوم من أفلامي المفضلة. هو فيلم صامت، لا يحتوي على الكثير من الحوار بطبيعة الحال، لكنه يحتوي على كمٍّ هائلٍ من المشاعر الصادقة، والدروس أيضًا لو أخذت رأيي. فيلم اليوم هو نص من النصوص القلائل التي تلقفته السينما ولم تنتزع منه شيء، بل أضافت إليه كل شيء، أو هكذا أظن.

فيلم أضواء المدينة City Lights

هو فيلم رومانسي كوميدي، عُرض عام 1931، ومن تأليف وتمثيل وموسيقا وإخراج عبقري السينما الصامتة تشارلي شابلن، والمشهور بشخصية الصعلوك، والذي تحوز أفلامه على درجات عالية في مواقع تقييم الأفلام، ويمكن اعتباره قيمة فنية متفردة قلّ أن يجود الزمان بمثلها.

هذا الفيلم تحديدًا تم وضعه في مكتبة الكونجرس الأمريكية، واُعتبر ذو قيمة جمالية وفنية عالية، وعام 2007 تم اختياره في المعهد الأمريكي للفيلم، وحاز على المرتبة الحادية عشر كأحد أفضل الأفلام الأمريكية على الإطلاق، والناقد (جيمس آجي) وصف المشهد الأخير منه كأعظم قطعة تمثيلية على الإطلاق!

حسنًا، ما هي الدروس التي يمكن أن نخرج بها من فيلمٍ كهذا؟

الدرس الأول: افعل ما أنت متفردٌ فيه

دعني أقصُّ عليك قصة، وهي في كواليس صناعة هذا الفيلم. في فترة العشرينات، بدأت السينما تدخل عصر الصوت. كانت الأفلام تُعرض بشكل صامت من قبل، على أن توضع لافتات حوارية للمشاهد المهمة فقط، والباقي يقع كاهله على الممثلين.

هناك عباقرة كثيرون اشتهروا في ذلك العصر، وعلى رأسهم تشارلي شابلن، والذي صعد بُذرى السينما الترفيهية لمستوى سامق، ولم تخلُ أفلامه الكوميدية من مناقشة قيم ومُثُل، وقضايا اجتماعية. كان ظهور الصوت ثورة حقيقية، وبدأ صُنّاع السينما في الاتجاه حثيثُا لمعانقة الوافد الجديد، وتطبيقه على أفلامهم.

إلا تشارلي شابلن.

شابلن كان من الذكاء؛ ليعرف أن قوة تفوقه الحقيقية تكمن في قدرته على توصيل أعقد المشاعر من خلال التمثيل الصامت، بدون حوار؛ فهو أستاذ في فن الإيماء (البنتوميم)، ويمتلك مرونة لاعب سيرك وباليه معًا.

لهذا قرر أن يقدم فيلم أضواء المدينة بنسخته الصامتة، دون أن يكترث بحمى الجنون التي اجتاحت هوليوود. الفيلم نجح، وحقق خمسة ملايين دولار، وهو رقم فلكي مهول في ذلك الوقت!

الدرس الثاني: ابحث عن البسيط، الصادق

فرجينيا شيريل
فرجينيا شيريل

كانت هناك مشكلة تواجه شابلن: من هي البطلة المناسبة للفيلم؟ بدايةً؛ فالفيلم يحكي- ببساطة آسرة- قصة حب بين فتاة عمياء، تبيع الزهور، وبين رجل فقير لا يملك قوت يومه. ستقول لي: قصة عادية ومستهلكة. حسنًا، الأمور ليست بهذا الابتذال؛ فهي تظنه ثريًّا!

راح شارلي يبحث عن الفتاة المناسبة للدور، وكانت أمامه خيارات غير مناسبة؛ فقد انتشرت السينما الناطقة، ونسي الممثلون التمثيل الصامت. حتى قابل أخيرًا- لحسن الحظ وحظنا- فتاة جميلة تُدعى فيرجينيا شيريل، والتي كانت ترغب في العمل معه.

كان يظنُّ أنها غير مناسبة للدور، وأنها ستفعل مثلما كان يفعل من قبلها؛ بأن تنظر للسماء، وتُظهر بياض عينيها. لكن الفتاة استطاعت أن تمثل الدور ببراعة؛ فهي تنظر ولا تنظر في نفس الوقت. يمكنك أن تشاهد الفيلم لكي تفهم قصدي. بحث شارلي عن فتاة تؤدي الدور بصدق، ودون تمرس مسبق، حتى يُضفي مصداقية على الدور.

الدرس الثالث: حياتك تتغير حسب منظورك

في أحد المشاهد الرائعة، يتقابل الصعلوك مع رجل غني، سكران، قرر أن ينتحر بإلقاء نفسه في النهر، وهو مُقيّد إلى حجر ثقيل سوف يسحبه للأعماق.

يقوم الصعلوك بإنقاذه من الموت، ويخبره أن هناك العديد من المباهج التي تستحق أن يعيش المرءُ من أجلها. يقول هذا؛ برغم فقره المدقع، وحاجته للمال، بينما الغني ليس سعيدًا. حسب منظورك، يمكن لحياتك أن تتغير.

الدرس الرابع: عندما تقابل الحب؛ فتشبث به

يتقابل الصعلوك مع الفتاة العمياء التي تظنه ثريًا؛ بسبب صدفة. الحقيقة أنه كان محرجًا ليخبرها بحقيقته، لكن هذا لم يمنعه من أن يساعدها بما هو متاح، وألا يتخلى عنها؛ فقد نبض قلبه في حضرتها، وهو لن يُضيِّع هذه الهدية أبدًا.

الحب هنا، لا يقتصر على حب الحبيبة، لكن أيضًا على حب الحياة، العمل، الأهل، مباهج الحياة، والاحتفاء بها.

الدرس الخامس:

عندما نعمل فلنكن بعقل مكتمل، وعندما نلهو؛ فلنكن بقلب مكتمل.

عندما قام تشارلي بصناعة الفيلم، بذل الغالي والنفيس من أجل أن يُعرض بأجمل حلة. يكفي أن تعرف أن ميزانيته كانت مليونًا ونصف من الدولارات، وبدأ تشارلي في تطوير السيناريو الخاص به عام 1928 تقريبًا.

وكان تشارلي من عباقرة السينما المعروفين بميلهم للكمال، وإعطاء العمل حقه كما يجب، مهما أخذ من وقت أو مال. يمكن تطبيق هذه القاعدة على عملنا، أو حتى على استمتاعنا بالحياة؛ فعندما نعمل فلنكن بعقل مكتمل، وعندما نلهو؛ فلنكن بقلب مكتمل.

أقرأ أيضاً:

عارف فكري

معلومات عن الكاتب

روائي، ومدوِّن، يكتب روايات الفانتازيا والخيال العلمي والرعب، وكذلك يهتم بإتاحة رواياته بشكل إلكتروني للقرّاء المهتمين بتلك النوعية من الأدب. صدر له : مخلب القرد الأحمر، حافة الأبدية، طيف من أهوى، قلب نصف معتم، مطلوب عريس غير ممل. أيضاً كتب فى العديد من الصحف والمواقع؛ مثل بص وطل والدستور وإسلام أونلاين وارابنز النشر الرقمي.

هذه المواضيع قد تهمك أيضاً:

{"email":"Email address invalid","url":"Website address invalid","required":"Required field missing"}

كيف تنشر كتابك بنفسك؟ اطلع على تفاصيل كورس ناشر

>