نصائح لكتابة رواية مشوقة – الجزء الخامس

حسن محمد


ما الذي يصنع كاتباً؟ ربما حادثة فريدة تمر به في بداية حياته ويكون لها أبلغ الأثر عليه، تشكل هذه الحادثة إحساسه وإدراكه الذاتي.

ولنأخذ حياة خوزيه ساراماجو كمثال، ذلك الكاتب الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، والده كان فلاح بسيط، أمه كانت لا تعرف القراءة والكتابة، بدأ حياته العملية كعامل أجير في إحدى المصانع، ثم التحق بالجيش، ثم بعد ذلك أصبح محرراً في إحدى دور النشر، أربعون عاماً مروا من عمره، أربعون عاماً من المعاناة.

في طفولته، ذهب لقضاء إحدى الاجازات مع جده في قرية تدعى أزينهاجا، وفي إحدى الأيام أصيب جده بجلطة انتقل على إثرها إلى (لــــــــشبــــــــونة) للعلاج، وحينما شعر ساراماجو بالوحدة والحزن على جده وقف في حديقة المنزل مناجياً أشجار التين والزيتون، شاكياً لهم عما بداخله من أحزان، كان يشعر أنه لن يعود إلى هذا المكان مرة أخرى، شرع بمعانقة الأشجار مودعاً.

يقول ساراماجو:

 إن لم تأثر فيك مثل تلك الأشياء فأنت لا تصلح أن تكون أديباً

المشاعر الجياشة تصنع أديباً عظيماً لأنها ببساطة تتحول إلى كلمات رقيقة وأفكار عميقة.

عزيزي القارئ: هذه المقالة جزء من سلسلة دروس متعلقة بفن كتابة الرواية، يفضل أن تتابع هذه الحلقات بالترتيب من البداية إلى النهاية، لذا الرجاء التوجه إلى الجزء السابق من هذه الدروس (إن لم تكن قد اطلعت عليه بعد) بالضغط هنا وبعد الانتهاء ستجد رابط في نهاية المقال يؤدي بك إلى الجزء الذي يليه.

اقرأ أيضاً:

كيف تكتب رواية مشوقة؟

اليوم 52

يقول سكوت فيتزجيرالد:

الشخصية هي مجرد تصرف

والشخصيات في الرواية لا تتصرف من فراغ، فتصرفاتهم تتداخل حتماً مع تصرفات أناس آخرين وهذا التداخل هو ما نسميه التفاعل؛ والتفاعل هو الذي يخلق المشاهد؛ والمشاهد الكاملة وأنصاف المشاهد وطرق السرد هي الأحجار التي يتكون منها البناء الروائي.

اليوم 53

أثناء تصوير فيلم friendly persuasion (الإقناع الودي) ذلك الفيلم المأخوذ عن إحدى روايات جاسمين ويست، نبهت الكاتبة مخرج الفيلم ويليام وايلر قائلة:

 كان ينبغي علينا إضافة مشهد آخر، أليس كذلك؟

في هذا الموقف تذكرت الكاتبة أنه كان ينبغي عليها أن تحسن إتقان الصراع الذي يعجب الجمهور كثيراً. كذلك أنت؛ لا ضير في أن تضيف وتحذف ما تراه من مشاهد قد تعيق احتدام الصراع في الرواية.

اليوم 54

اذهب إلى أي مكتبة، واستعرض الكتب التي تتحدث عن التغذية أو زراعة الحدائق. مؤلفي هذه الكتب يصفون الروائح، والنكهات، والأصوات وحتى ملمس الأشياء بالتفصيل الدقيق. وأنت كذلك أثناء كتابة الرواية ينبغي أن يغطي وصفك كل الحواس الخمسة المعروفة: البصر، الشم، السمع، اللمس، التذوق، بالإضافة إلى الحاسة السادسة التي تتوفر كثيراً في الجنس الناعم!

اليوم 55

يقول مارك توين:

اختار الكلمة الصحيحة، أكتب اللفظة الأكثر دقة ولا تكتب أختها، وتذكر دائماً أن الأفعال أقوى جزء في أي جملة

وفي هذا القول يتفق مع قول ريتا مي برون التي تقول:

” الأفعال تسير بك بانسيابية على الطريق الصحيح”

اليوم 56

العبارة التالية جاءت في كتاب the elements of style (عناصر الصنعة الأدبية)

إذا حدث وأتفق دارسوا فن الكتابة على رأي واحد، فسيكون هذا الرأي مفاده أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الكاتب من أن يجذب انتباه القراء هو أن يكون أسلوبه محدد وواضح وملموس.

من أجل ذلك، حاول -قدر الإمكان- الابتعاد عن المبالغة والتباهي بالألفاظ الغريبة، وحشاك أيضاً من المحسنات البديعية التي لا تضيف للمعنى شيء، قدم فكر ومشاعر ولا تقدم للناس أصنام من الألفاظ البائدة، فأنت تكتب لأبناء هذا العصر وليس العصور القديمة ولا حتى أبناء المستقبل. أيضاً لا تكن مبتذلاً في ألفاظك أكتب بلغة الجرائد التي يفهما الجميع.

اليوم 57

خذ قسطاً من الراحة، توقف عن كتابة روايتك لمدة يوماً أو أسبوع، وبعد ذلك عد إليها وراجعها من البداية فساعتها ستراها بعين أكثر موضوعية، ستراها بعين الجمهور.

اليوم 58

ضع في اعتبارك أن الرواية قد تكون ذات حبكة بسيطة وقد يكون أسلوبها عادي لكن الشخصيات بها هي التي تصنع الفرق، الشخصيات الحية، الشخصيات التي تشعر أمامها وكأنك أمام أناس حقيقيين من لحم ودم، الشخصيات الممتلئة بالحيوية والدوافع هي الكفيلة بإنجاح روايتك لأنها ببساطة تستثير رضا الجمهور وتفاعله معك.

فكم رواية تكلمت عن الإخلاص لكن هل مثل جولييت في إخلاصها أحد؟ كثير من الروايات تكلمت عن الجشع لكن هل مثل يهودي تاجر البندقية في جشعه من أحد؟

نعم. أتفق معك. قد يكون في التاريخ من هو أكثر إخلاص من جولييت، وقد يكون هناك من هو أكثر جشعاً من اليهودي في تاجر البندقية لكن هل أستطاع أي كاتب أن ينقل للناس ذلك الأكثر، هل تستطيع أنت؟ هل تفعلها؟

اليوم 59

هناك قول مأثور في الكتابة: ” لا تخبر بل صور” بمعنى لا تخبرنا عن الغضب بل صوره لنا، أرينا إياه، حينئذ سنقرأ ونشعر بالغضب. لا تخبر القراء عما تشعر به من غضب أو ندم أو حتى خوف، بل أبرز لهم الشخصيات والمواقف التي تنقل هذا الشعور.

فحينما تقرأ اللص والكلاب ستتعاطف مع سعيد مهران على الرغم من أنه سفاح بل وربما تتمنى له أن يقتل كل اللذين خانوه، هذا ليس لأنك عدواني الطابع بل لأن نجيب محفوظ كان لديه هذا التعاطف ونقله لك بحرفيه منقطعة النظير، لم يقل لك أن سعيد مهران قد ظلم بل جعل وجه الظلم القبيح يتراء لك في كل مشهد من مشاهد الرواية.

اليوم 60

إذا كتبت خمسة صفحات يومياً لمدة شهرين حينئذ تكون قد كتبت 90000 كلمة. الآن حان وقت المراجعة والتدقيق.

اليوم 61

حتى الآن، قد تكون كتبت 300 صفحة. لكن هل تعتبر هذه الصفحات الثلاثمائة هي الرواية؟ هل لهم بداية ووسط ونهاية؟

اقرأ روايتك مرة أخرى واسأل نفسك: هل أثارت إشكالية معينة أو حوت لغزاً وهل قدمت الحلول؟ إذا استطعت أن تقدم حلولاً مٌرضية عن هذه الإشكاليات أو الألغاز، إذاً استمر فأنت على الطريق الصحيح.

اليوم 62

راجع روايتك نحوياً ولغوياً. استعن بمدقق لغوي جيد ليدقق لك الأخطاء النحوية والإملائية، لا تعتمد على ملف الورد فقط في التصحيح، ولا تجعل المدقق اللغوي يغير لك في الألفاظ أو الكلمات، فدوره فقط ينصب على الأخطاء النحوية والإملائية.

اليوم 63

أطبع روايتك بالكامل. قد يكلفك هذا بعض المال، لكن هذا شيء حتمي، فبعد الانتهاء من روايتك قد تكون امتلكت عقارك الأول، والمثل الشعبي يقول: من معه خير ممن ليس معه، فأنت الآن تملك فلا مانع من أن تستثمر قليلاً في ملكيتك.

اليوم 64

بعد طباعة الرواية، ضعها في مكان آمن وأتركها لمدة أسبوعين.

اليوم 65

الآن وبعد فترة الهجر الطويلة لروايتك، عد إليها من جديد فقد جاء دور المراجعة الثانية، وقبل المراجعة تذكر قول جيمس فيري صاحب كتاب ” كيف تكتب رواية رائعة”

تخيل أن الصراع هو الهدف، وباقي مكونات الرواية هي مجموعة من السهام

والآن جاء وقت فحص السهام قبل إطلاقها على الهدف.

اليوم 66

أقرا الرواية بالكامل، قم بتحديد العبارات والفقرات المبهمة أو الركيكة، لا تعدل فيها، فقط ضع خط تحتها واستمر في القراءة، فإعادة التحرير لم يأتي وقتها بعد.

اليوم 67

الآن قم بإعادة التحرير، وكما يفعل الجزار قم بنزع العظم من القصة، تخلص من الإفراط وإن كان عزيز عليك، كما قال وليام فولكنر ” تخلص من النثر المفرط”

اليوم 68

لا تمل، بعد التحرير، أعد قراءة روايتك مرة أخرى لكن هذه المرة بصوت عال حتى تتمكن من تمييز الجمل الغير رشيقة والعبارات المكسورة.

اليوم 69

راجع قصتك مرة أخرى، تخلص من التشبيهات والاستعارات الموجودة في كل صفحة، نقى زرعك من الحشائش المتسلقة وإن كانت جميلة المنظر لكن تذكر وأنت تقوم بهذه العملية قول سكوت فيتزجرالد:

لا تقوم بحذف أي شيء من كتابك قد تندم عليه لاحقاً

اليوم 70

تخلص من النعوت والأحوال المتكررة والتي تحمل نفس المعنى.

على سبيل المثال ” جلي وواضح” أو ” صاح قائلاً” فكلمة واحدة تكفي.

اليوم 71

أعد قراءة روايتك مرة أخرى، وأبحث هذه المرة عن الصور المبتذلة وتخلص منها. وإليك أمثلة على الصور المبتذلة:

  • ” جميلة مثل اللوحة” – أي لوحة؟!
  • ” واضح مثل المطر” – ما العلاقة بين المطر والوضوح؟
  • ” في عين عقلي” – عين عقلي! ما هذا؟
  • ” ازدرد ريقه بوحشية” –  صف لنا هذه الوحشية؟

اليوم 72

تخلص من علامات التعجب والأقواس المبالغ فيها، لا تضع الكثير من علامات التعجب مثل هذا: !!!!!!، لو كنت متعجباً جداً، فيكفيك علامة تعجب واحدة، وإن كنت متعجب جداً جداً جداً، فلا تكتب ثلاث علامات تعجب، بل علامة واحدة أيضاً.

اليوم 73

تجنب الإفراط في استخدام الألفاظ أو العبارات الأجنبية، تخلص من الكلمات الخيالية الغير ملائمة، تخلص من الألفاظ السوقية، تخلص من المشاهد الدموية المبالغ فيها، تخلص من المناظر الخليعة فهذا لن يفيد عملك.

من المعروف أن التابوهات (المحرمات) ثلاث: الدين، الجنس، السياسة.

لا تستغل عملك الأدبي باللعب على هذه المحاور، بعض الكتاب المبتدئين يستغلون تلك المحرمات لتحقيق شهرة سريعة على طريقة خالف تعرف.

بالفعل قد تشتهر بسرعة إذا فعلت ذلك لكن لن يكتب لعملك الاستمرار كما أنك لن تحترم حتى ممن يشتري روايتك، لأنك حينها قد تكون وضعت عملك الأدبي في قالب مجالات البرنو، فسيقرئها كثيرون ثم بعد ذلك يدوسون عليها بالأقدام!

اليوم 74

تخلص من العبارات التي لا تؤدي معنى أو العبارات المبهمة مثل ” الخ” فالأفضل أن تذكر لنا ما هو هذا ” الإلخ”، أو ” وفعل أحمد أشياء أخرى كثيرة” أرجوك، وضح ما هي تلك الأشياء الكثيرة وهل هي أشياء حسنة أم سيئة؟

اليوم 75

الآن ستقرأ روايتك مرة أخرى أو بمعنى أدق مرة رابعة، لكن هذه المرة ستسجل نفسك وأنت تقرأ، سجل صوتك في جهاز تسجيل أو أي وسيلة أخرى متاحة. وبعد الانتهاء من قراءة كامل الرواية، أعد تشغيل التسجيل وأسمع نفسك وأنت تقرأ وعينك على كل سطر تقرئه.

افحص المشاهد والعبارات التي لا وظيفة لها، اكتشف الكسور والتصدعات اللغوية. تخلص من السلبيات، احذف واحذف واستمر في الحذف حتى تأتي إلى قلب الرواية. تذكر ” السهام والهدف”

اليوم 76

أثناء فترة المراجعة، حاول جاهداً أن تهتم بافتتاحية روايتك لأن الصفحات الأولى من الرواية ستقدمك للناشرين فأريهم من أنت. أعد كتابة المشهد الأول من روايتك أكثر من مرة وسوف تلاحظ الفرق بعد المراجعة والتحرير المتكرر. ستلاحظ حتى أن مستواك في الكتابة صار أفضل بكثير من اللحظة التي شرعت فيها بالكتابة.

اليوم 77

أحصل على ست روايات من الروايات المشهورة، وأقرأ افتتاحية كل رواية كلاً على حدا.

اليوم 78

اذهب إلى أي محل لبيع الكتب، وأقرأ افتتاحيات الروايات التي تم نشرها حديثاً.

اليوم 79

أعد قراءة افتتاحية روايتك وقارن بينها وبين الأخريات التي اطلعت عليهم في اليومين السابقين.

لنشر روايتك على أمازون كيندل وسماش ووردز، تفضل بالاطلاع على خدامتنا في هذا الشأن من هنا

<< الجزء السابقالجزء التالي >>

المصادر:

تم الاستعانة في كتابة محتوى هذا المقال بالعديد من المصادر على رأسها كتاب: how to write a novel in 100 days لجون كوين، بالإضافة إلى العديد من المقالات الصحفية واللقاءة التليفزيونية المسجلة مع كبار الكتاب في الوطن العربي.

حسن محمد

معلومات عن الكاتب

مترجم فوري، عمل لدى العديد من كبرى الشركات والمنظمات العالمية من أهمها شركة تيتان الأمريكية، بي سي آي اليابانية وشركة قطر للبترول القطرية، شرع في التدوين في عام 2008 كهواية ومع مرور الوقت اكتسب خبرة في مجال التسويق بالمحتوى والكتابة التسويقية copywriting ومن ثم تحولت الهواية إلى مهنة مستقلة تهدف إلى تقديم الجودة والاحترافية في مجال التسويق الالكتروني وبخاصة في مجالي التسويق بالمحتوى والكتابة التسويقية، يعمل معه الآن فريق عمل محترف من المترجمين والمسوقين الإلكترونيين.

هذه المواضيع قد تهمك أيضاً:

{"email":"Email address invalid","url":"Website address invalid","required":"Required field missing"}

كيف تنشر كتابك بنفسك؟ اطلع على تفاصيل كورس ناشر

>